كتب : حسام كمال
رغم صغر السن وريعان الشباب ترك الزمن على وجها ندوباً وحفر أخدوداً وأكتسي وجهها بالجدية والتي تكشف عن إرادة من فولاذ لا تعرف للفشل طريقاً ولا تعترف بالصعاب بل تهوي كسر القيود وتحطيم الإغلال
أنها خضرة فاوي حسين على الطالبة بالفرقة الثانية كلية الحقوق جامعة أسيوط التي تسكن قرية العتامنة مركز منفلوط وهي واحدة من أحد عشر أخاً وأخت يسكنون منزلاً متواضعاً بالقرية لا يتوافر فيه الحد الأدني من أساسيات الحياة.
تحكي خضرة أن والدها لم يتحمس يوماً لتعليم البنات شأنه شأن معظم أهالي الصعيد وإنها كانت دوماً تستشعر نقصاً بداخلها مقارنة بأقرانها من الأطفال وسنحت لها الفرصة بعد أن تمكنت إحدي معلمات محو الأمية بجمعية كاريتاس مصر – مكتب أسيوط "وهي جمعية خيرية كاثوليكية تعمل في مجالات عديدة ومن بينها محو الأمية" وهي الأبلة عزة من إقناع والدها السماح لها بدخول فصل محو الأمية وبعد محاولات عديدة وافق الأب على إستحياء وراحت خضرة تنتظم في الفصل الدراسي مدفوعة برغبة جارفة في التحرر من ربقة الأمية والجهل والإلتحاق بنور العلم والحرية.
كانت خضرة نموذجاً للجدية والإلتزام ... أخذت تقبل على التعليم بشغف وتحصل في يوم ما يحصله غيرها في أسابيع ... إنها تدرك قيمة الفرصة التي إتيحت لها ... وأهمية إستثمارها ... حازت "خضرة" على رضا معلميها وحب زميلاتها ... كانت تعمل أجيرة في الأرض صباحاً وتدرس في فصول محو الأمية ليلاً وهي سعيدة بذلك لا تشكو ولا تتبرم أبداً .
حصلت بتفوق على شهادة محو الأمية والتحقت بالصف الخامس الإبتدائي وحصلت على الشهادة الإبتدائية ودخلت الإعدادية إنتظام ونجحت في الصف الأول والثاني والثالث وكان ترتيبها الأول على المدرسة في هذه السنوات ، وأصبحت "خضرة" تقترب أكثر وأكثر من الإمساك بحلمها وتحقيق ذاتها ... إنها أصبحت أكثر رضا عن حياتها ومسيرتها ولكن واجهتها عقبة ... عند رغبتها في الإلتحاق في الثانوية العامة حيث رفضتها المدرسة لكبر سنها ...
لكن جماعة الخير تمكنوا من مساعدتها وإعفائها من شرط السن وإجتازت الصف الأول والثاني والثالث الثانوي وتمكنت من الحصول على مجموع 85% ودخلت كلية الحقوق لشغفها في دراسة الحقوق والواجبات ورغبتها في التعرف على القواعد والقوانين التي تحكم حياتها ... إنها تمثل إطلالة لها على علوم الحياة والحريات.
خضرة تواصل الآن دراستها بالفرقة الثانية ... إنها وهي تخطو خطواتها الأولي نحو الجامعة لم تنسي من ساعدوها في مشوار حياتها حيث انضمت إلي قافلة كاريتاس وتعمل كمنسقة لمحو الأمية مستفيدة من خبراتها السابقة كواحدة من الأميين ... إنها لا تنوي الإكتفاء فقط بالحصول على البكالريوس ولكنها تتطلع لمواصلة دراستها وإشباع شغفها بالعلم ونيل شهادتي الماجستير والدكتوراة ...
خضرة بنت الأرض المصرية المعجونة بتراب هذا البلد تذكر بالخير ولا تنسي أبداً أساتذتها سهام بشرى التي لم تتواني يوماً عن تذليل كافة العقبات التي واجهتها ... ورأفت الألفي الذي أحاطها بالدعم والرعاية وكان يفرح كلما خطت خطوة على طريق تحقيق طموحها ... وأخيراً أمل شهدي معلمتها الأولي وملهبة حماسها والتي ما فارقتها قط وراحت تدفع بها للتحرر من عبودية الأمية لتنطلق إلي آفاق الحرية
خضرة تم تكريمها من محافظة أسيوط حيث أستقبلها اللواء نبيل العزبي محافظ أسيوط ومنحها درع المحافظة وجائزة مالية تقديراً لمثابرتها وإرادتها وتحفيزاً لها ولمثيلاتها على مواصلة محو الأمية والتعلم.
على هامش الاحتفال الذي أقيم لتكريمها من جمعية كاريتاس مصر فرع أسيوط عبرت خضرة عن دهشتها واستغرابها واستهجانها لما تسمعه من أحداث طائفية هنا وهناك وقالت أن من تبنتها وساعدتها على محو أميتها وتحقيق حلمها كانت جمعية مسيحية لم تسألها يوماً عن دينها أو مذهبها ...
وقالت خضرة .. كلنا مصريون ... مرددة قول مكرم عبيد السياسي المصري القبطي "لا فرق بين المسلم والمسيحي في الشكل أو السمت أو الجينات فقط أحدهم يرتاد المسجد والآخر يتردد على الكنيسة " ، وفي النهاية مصر أمنا جميعاً ... وبكت خضرة وأبكت كل من أستمع لها ... إنها رسالة لا تخطئها العين ذات مغزي وأبعاد أرادت خضرة توصيلها ولو بالدموع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تنبية هام:تشكر “أسيوط دوت كوم” تفاعل جمهورها الكريم مع خدمة التعليقات، وترجوهم عدم إضافة أي تعليق يمس أو يسيء للأديان والمقدسات، أو يحمل تجريحًا أو سبًا يخدش الحياء والذوق العام للأشخاص والمؤسسات.. وستضطر الإدارة آسفةً لحذف أي تعليق يخالف هذه الضوابط.وإدارة الموقع غير مسئولة عن التعليقات المنشورة،فهى تخص كاتبها.
"ما يلفظ من قول الإ لديه رقيب عتيد"